الأربعاء، 8 مايو 2013

ألهذا الحد تستغفلوننا وتضحكون علينا ؟؟



جريدة المستقبل العراقي في 8/5/2013


كاظم فنجان الحمامي

ليس الذنب ذنب الذي باعنا الأجهزة المغشوشة, بل ذنب الذين اشتروها منه وتعاملوا معه, وذنب الذين ضللوا مؤسساتنا الأمنية, وتسببوا في تعطيل أنشطتها, فسلبوا راحتنا وسرقوا استقرارنا, وسمحوا للمجرمين بالتسلل إلى مدننا. .
وليس الخطأ أن نخطئ, ولكن الخطأ أن نستمر في الخطأ, ولا نعترف بذنوبنا, ولا نتوب منها, وليس العيب أن نعثر ونتعثر, ولكن العيب كل العيب أن نصر على عثراتنا وكبواتنا ولا نصحح مسارنا, وليس الخطأ أن نعود أدراجنا ما دمنا قد مشينا في الطريق المعوج, فالرجوع للصواب خير من التمادي في الاعوجاج. .
فإن نحن ارتكبنا هفوة بحق أبناء شعبنا وأقلعنا عنها واعتذرنا لهم, فليس في هذا ما يعيب, لأننا هنا نعبر عن إنسانية الإنسان وشهامته, ونمثل كمالية الأخلاق والإحسان, لكن العيب أن نكابر ونجاهر بأننا على صواب, على الرغم من غرقنا في بركة الأخطاء, وعلى الرغم من تراكم هفواتنا. .
فعندما تعترف الجهات المعنية بشراء الأجهزة الفاشلة, وتعد الناس ألا تكرر الهفوة مرة أخرى, فإنها ستكسب ثقتهم, وليس في اعترافها هذا أي ضعف أو فتور أو استنقاص أو استصغار, فالذي يظن أن الاعتراف عيب, ويعتقد أن الإقرار بالذنب ضعف, فقد أخل بالمعايير الإنسانية واستنقص منها, ورمى بها عرض الحائط. .
فإذا كانت بريطانيا نفسها, هي البلد المصنع لأجهزة الكشف على المتفجرات من نوع (ADE-651), أو من نوع (ADE-650), وهي التي اعترفت بزيف الأجهزة وبطلانها, وصرحت لوسائل الإعلام عن فشلها في الكشف عن المتفجرات, وهي التي اعترفت بعدم قدرتها على الكشف عن دجاجة مفخخة, وبالتالي فشلها في العثور على الإرهابيين والانتحاريين والمخربين, فما الذي يدفعكم للإصرار على استعمالها في نقاط التفتيش والمراقبة على الطرق الخارجية ؟؟. .
وإذا كانت بريطانيا الدولة المصنعة, هي التي اعترفت بارتكاب مصانعها جريمة دولية مخلة بالشرف, لقيامها بتصنيع هذه المعدات والأجهزة الفاشلة, وتصديرها إلى العراق وجورجيا ونيجيريا ولبنان وبلجيكا وكينيا, وهي التي أقرت وأكدت على عجزها وقصورها وعدم صلاحيتها, وأوصت بعدم جدواها, وهي التي قالت إنها مخصصة للكشف عن الكرات المعدنية المختفية بين الأحراش في ملاعب الغولف, فلماذا تلحون على استعمالها في مداخل المراكز والمؤسسات الحكومية الرسمية ؟؟.
ألهذا الحد وصل بنا الغباء حتى نواصل التعامل مع قطع من الخردة لا فائدة منها ؟. ألهذا الحد وصل بنا التغاضي عن الذين مارسوا معنا أبشع أساليب الغش والاحتيال ؟؟. ألهذا الحد تردت فينا الأوضاع لنغض الطرف عن الذين تسببوا في إزهاق أرواح أبنائنا ؟. ألهذا الحد وصل بنا التستر على الذين عطلوا عمل المراكز الأمنية, عندما اقنعوا وحداتها الميدانية بالتعامل مع هذه الأجهزة الغبية المخصصة للكشف عن الكرات المعدنية الضائعة والقطع النقدية المفقودة ؟. .
بماذا تفسرون بقاء تلك الأجهزة وانتشارها في الشوارع والمؤسسات والمنافذ الحدودية حتى يومنا هذا ؟. ألا تعلمون إن البلدان التي خدعها هذا المحتال قررت سحب الأجهزة وإتلافها, وقررت مقاضاة الشركة المصنعة وتغريمها بموجب القوانين الدولية مستفيدة من اعتراف بريطانيا نفسها, ومستفيدة من قراراتها القضائية الحاسمة بهذا الخصوص ؟. فمتى نسحبها نحن من شوارعنا ؟, ومتى نزيلها من سيطراتنا الخارجية ؟, ومتى نرفعها من منافذنا الحدودية ؟. ألم تسمعوا بعد بوقائع المرافعات القضائية في المحاكم البريطانية ضد المحتال البريطاني (ماك كورمك  James McCormick) الذي باعنا الأجهزة ؟, ألم تسمعوا بالحكم الجزائي القطعي, الذي نطق به القاضي البريطاني (ريتشار هون Richard Hone) حينما حكم على هذا المحتال بالسجن لمدة عشر سنوات غير قابلة للتخفيف ؟, ألم تسمعوا بمصادرة أمواله التي حصل عليها بالغش والاحتيال ببيعه الأجهزة الفاشلة, والتي اشترى بعوائدها المالية اليخوت البحرية الفاخرة والقصور الفيكتورية الفخمة ؟. .
من المفارقات العجيبة الغريبة, التي لا تخطر على بال الشركة المصنعة, ولا على بال المحتال الذي غشنا واحتال علينا, إن شركة (واحة البادية) بصفتها الشركة المجهزة, زعمت ان هذه الأجهزة لها القدرة على الكشف عن جزيئات نترات الأمونيا والمواد التفجيرية بكل أنواعها وكمياتها مهما صغرت أو كبرت, ولها القدر على رصد المخدرات بكل أنواعها وكمياتها, ابتداءً من الهيروين وانتهاءً بالترياق, سواء أكانت مدفونة في باطن الأرض, أو من ارتفاع (650) متراً في الجو, أو من مسافة أفقية تقدر بخمسة كيلومترات, أو الاستدلال عليها حتى لو كانت مغمورة على عمق (30) متراً في جوف البحر, أو في قاع النهر. .
خصائص سحرية تفوق الخيال, ومواصفات خارقة لا يصدقها العقل ولا يقبلها المنطق, لكنها كانت مقبولة جدا عند الذين تواطئوا مع البائع والمُجهز, وعند الذين تورطوا معه في فضيحة الأجهزة الكاذبة, التي نشرتها بريطانيا قبل أن نكتشفها نحن الذين أمضينا سنوات في التعامل الميداني السلبي معها, فبادرت بريطانيا إلى إلقاء القبض على المحتال, قبل أن نلقي القبض على السماسرة والوسطاء, الذين روجوا للصفقة وصفقوا لها, وأصدرت المحاكم البريطانية حكمها القطعي على جماعتها قبل أن نصدر حكمنا على جماعتنا, على الرغم من كل الكوارث والنكبات والويلات والمصائب والفواجع والمآسي, التي تسببت بها تلك الأجهزة اللعينة في مدننا ومساجدنا ومدارسنا وجامعاتنا وشوارعنا ومؤسساتنا, وعلى الرغم من قوافل الشهداء الذين بعثرت أجسادهم العبوات الناسفة, وراحوا ضحية الأجهزة الغبية, وعلى الرغم من كل الأموال المهدورة. . .
الآن وبعد أن وقع الفأس بالرأس, ألم يأن للذين تمادوا في تمرير صفقات الغش والاحتيال أن تنفطر قلوبهم على هذا الشعب الذي وضع ثقته بهم عبر صناديق الاقتراع, ولا يكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق